أنا يا صديقتي ..
لا أنتمي لهذا العالم ..!
نعم...!
هكذا أود أن أبدأ حديثي معك.
لعلي أنفخ على جسد النخيل المتجمد في عينيك شيئا من الدفء.
وأستفز القبائل العارية على فِرائك
فتحدث ثقبا لألاف الصحون المحبوسة في عتمة جلدي منذ ارتطامي بك..
صدقيني يبدو الذئب أنيقا جدا
وأنت ترتدينه كمجندةٍ "المارنز" ، درعٌ واقي لصقيع الشتاء .
قد يبدو الأمر جنونيا يا صديقتي
أو مضحكا بالنسبة لأولئك الذين لا يفقهون شواضهم القديم
وتساقط سرب الضوء في العصور الغابرة .
الإنتماء لهذا العالم يكلفنا الكثير ...
هذا الكثير المتناقض يا صديقتي
يحملنا على نكران ارتطامنا المدوي على صخرة مدورة كرغيف خبز .
والجوع حاكمها الأزلي. .!
مدورة يا صديقتي كحبة إسبرين ،
والجهال والمرض ثروتها الوحيدة ..!
كل الأشياء هنا تتضارب مع نفسها يا صديقتي ،
لا وحدانية في ذات الشىء أصلا .
فأين أجد هذا المتصادم الدامي في رئة الشتات،!
هذا المسمى /زكريا/
هذا الطافح بالضوء والعتمة.
الغارق بالأغاني والبكاء ،
أين يا صديقتي
أين ...؟
في وجدانية الإنسان المفزوع بمواعيد الفناء،
أم في تواهيد الحنين والحب الفارغ تحت ظل القصائد اليابسة،
أم في جيوب الماء الطافح بالبرد والبارود والكوليرا ..!
لا شيء يا صديقتي ..
لا شيء في هذا المتكور - كنهدٍ فتاةٍ تصغرك بعامٍ واحدٍ
أو تكبرك بألف عام - يستطيع
أن يحتوي فشلي بك عند أول قبلة .
أن يلملم أوراقي المبعثرة والممزقة كقلبي في سلة المهملات .
أن يخرج بفتوى واحدة أو خطاباً واحداً يجرم
أو يندد
أويستنكر المحرقة التي أرتكبتها في جزيرة الوهم .
والمذبحة التي اقترفتها في حق الأقلية العظمى من قبائل السراب..
أن يوقفني في مطارات الذكرى أو محطات الحنين او يمد يده الى حقائبي ولا تقوم القيامة ..
مؤلمـةٌ حقائبـي
مؤلمة يا صديقتي القديمة
دعوتك للحب لازالت طرية في جيب بنطالي القديم .
ولا زلت ذلك الغريب الغيور القادم من خارج غلاف الأرض .
وتحديدا من بادية الشمس .
القرية المحاذية شمالا لدرب التبانة ..
للكون مدنٌ وأريافٌ أيضا يا صديقتي ،
ولريفي هناك مايملك حسان البدوي هنا..
قلبٌ
وأغنامٌ
وذاكرةٌ
وبيتٌ لا يحب أن يدلف فيه سواه .
مقاسات الفطرة والنزعة القروية يا صديقتي.
لا تخلو أبدا من الغيرة المفرطة ..
ولي أن أعترف الأن
أنك كنت الشيء الوحيد الذي أسقطني من الأعلى ،
الرئة الوحيدة التي تفرز مايلزمني للعيش في هذه الهوة السحيقة .
فهل لك ان تتخيلي حجم الإختناق الذي قتل رائد الفضاء "داندي" بعد وصوله الى كوكب "داتيديس" بيوم واحد. !؟
/كانت علبة الهواء مثقوبة وأوشكت على النفاذ .
جهاز ما يشبه الساعة الكبيرة في يده يشير الى اقتراب عاصفة شمسية قاتلة .
هاهو يفر الآن
تجذبه هوة في عمق الصخور
يستيقظ بعد خمس دقائق مفزوعا يتحسس نفسه
لا أثر للعاصفة.
مؤشر الهواء علامة حمراء توحي بنفاذ الٱكسوجين
فز مذعورا يتحسس وجهه وقعت يده على فمه تماما رأس الكنزة تحطم وأصبح وجهه ملامسا للفضاء بشكل مباشر .
وقف متلفتا بشهقات سريعة ومتتالية ليتأكد أنه يتنفس.
ومع كل شهقة يزفر بملاين الأسئلة
مالذي يحدث انه الأن في مكان يشبه القبة الصغرة تحيط به هالة من الضوء الأزرق .
يبدو انه المكان الوحيد الذي يفرز عنصر الٱكسوجين .
وهاهو يلمح طيف يشبه الطفلة الصغيرة.
تحلق حوله كرداء أبيض .....
بعد مدة تلد الطفلة من فمها
كائن .
موحش وتختفي للأبد..
ينظر الكائن الى "داندي" لبرهةٍ ويأخذ نفساً طويلاً
أستهلك كلما في الكوة من هواء
وينطلق كسهم نحو الأعلى .
كان انطلاقه قويا لدرجة أنه أحدث ثقبا كبيرا في السقف أدى الى انهيار المكان برمته ،
ليبدأ صراع الموت
وجد"داندي" نفسه بين خيار الموت تحت الأنقاض أو الموت خنقا في الخارج.
بارح المكان وتنفس كل سموم الكون ومات مخنوقا..
أتعرفين يا صديقتي..
مع أن الأمر لا يتعدى كونه مجرد مشهد خيالي من فلم "الديار البعيدة"
إلا إن ذلك ما فعلتيه بي بالفعل...
زكريا الغندري

إرسال تعليق